التربية الكشفية وجذورها المسيحية
لنرى أمثلة للتربية الكشفية وجذورها المسيحية: نبدأ بالمجموعة الكشفية والطليعة المصغّرة التي تبدأ طريقها نحو المخيم الكشفي, ونقوم بالخدمة لبلوغ الجبل حيث يتجدد الوعد الكشفي لتكوين مسيحي واع ومواطن مسؤول وكشاف ملتزم.
أ- حياة الفرقة أو الطليعة:
أهم حركة دينامية في المنهاج الكشفي هو "حياة الفرقة", حيث نرى طلائعَ مختلفة وأعماراً متنوعة: (أشبال وزهرات, كشاف ومرشدات, جوال وجوالات).
لقد ركز بادن باول على دور الطليعة والترابط والوحدة بينهم وإعطاء المسؤوليات وتوزيع المهام القيادية بينهم من خلال تحمّل المسؤولية بمبدأ "تربية الشاب من خلال الشاب". إنه مبدأ التحوّل التربوي في الكشفية من خلال التحية الكشفية "الكبير يخدم الصغير والصغير يحترم الكبير", ويبدأ المخيم بالعمل التعاوني والجماعي (المطبخ, النظافة, الأعمال الريادية, الخدمة العامة...) وتبدأ مسيرة التربية الكشفية للطفل: "أن يعرف" "أن يعرف أن يعمل", "أن يعرف ذاته...".
من هذه الخبرة نرى ترابطاً مع تاريخ الخلاص, كيف؟
1. حضور المسيح في حياة الفرقة: لنتذكر النصوص الكتابية "كلما اجتمع اثنان أو ثلاثة باسمي كنت هناك بينهم" (متى 19:1 رؤية صورة المسيح في الصغير بخدمته "كلما فعلتم شيئاً لإخوتي هؤلاء الصغار فلي قد فعلتم" (متى 45:25).
2. اكتشاف أننا شعب الله في التاريخ الذي يبنى: في الكشفية نقوم بخبرة عيش الجماعة فنرى في المجموعة بأن كل فرد يكوّن مكاناً قيماً وله دوره ويعبّر عن شعبه من خلال الزي والعلامات والإشارات والطريقة, فتميز المجموعات من خلال ذلك (أنهم شعب الله في مكان وحيز معين) وهكذا يعمقون انتماءهم المباشر لمجموعتهم بصورة حقيقية وسعيدة لشعب الله, الشعب المختار والمميز.
3. يبنى التاريخ في الطريق, في المسير: روحانية الطريق والخيمة: نتذكر بأن الطريقة هي المفتاح الرئيسي لدى بادن باول. انه النظام التربوي الذي يسير به الفرد في الكشفية لنموه الجسدي والنفسي والعاطفي والاجتماعي ليكون صالحاً وسعيداً, مساعداً واجتماعياً. الطبيعة هي طريق معرفة الله والسير نحوه من خلال التأمل بالكتاب المقدس.
ب- المخيم في الكشافة هو:
1. مسيرة "تاريخ الخلاص" وخبرة الله مع شعبه: نماذج حية: إبراهيم (تكوين 12 :1- 9), موسى (خروج 37:12-42), إيليا (ملوك الأول 19), المجوس (متى 1:2-12).
2. تجديد شعب الله وفي المجموعة الكشفية بناء الكنيسة: سار شعب الله نحو الخلاص من خلال خبرة الصحراء, حيث العيش تحت الخيم (لبناء خيمة الله والسكن فيها), الخيمة كانت مدرسة الحياة الروحية.
مثال كشفي: نقوم بالمخيم الكشفي بالعيش في الطبيعية, نبني الخيمة, نبحث عن الحطب, نحضّر المطبخ, نجمع المياه... بهذه البساطة وفن العيش الطبيعي والأولي تمرين على الحرية وتقوية الإرادة والتحرر من جميع القيود التي تعرقل مسيرة النفس.
هكذا نتذكر سرّ التجسد ومعناه الجوهري: إن المسيح قد بنى خيمته فيما بيننا (يو14:1) وبسفر الرؤيا "هكذا بنى الله خيمته بيننا وسكن معنا" (رؤيا 3:21).
وتستقبل الكشفية مبادرة الله لهوشع "لذلك سأفنيها وأجيء بها إلى الصحراء وأخاطب قلبها" (هوشع 16:2). (أنا الرب إلهكم منذ كنتم في أرض مصر، وسأسكنكم في الخيام كما في أيام عيد المظال) (هوشع 10:12).
لقد وجدت خبرة العيش في الخيمة في صلوات الأب جاك سيفان "هلم يا رب, وضع خيمتك في حياة الكشافة... وبعد أن تضعها يا رب, أنر بخيمة حياتنا وابنها بيدينا ونبقى تحت ظل حمايتك الساطع الخير علينا".
ج- القائد الكشفي:
يمثّل الأب سيفان بأن السيد المسيح هو نموذج للقائد الكشفي. ويقول: "نعلم جميعاً بأن القائد الحقيقي الذي علينا أن نتبعه ونقتدي به هو السيد المسيح, الذي يسير بنا نحوه من خلال تعاليم واقعية, الحياة مع الجماعة, الثقة, المصداقية, السلطة, التكيف وخدمة الجميع".
هكذا يقوم المربي الكشفي بتطبيق ذلك من خلال حياة المجموعة والمشاركة في مسيرتهم اليومية واقعياً على ضوء رسالة المسيح... لنقرأ إنجيل القديس لوقا (24 : 13-45 ) فنرى مسيرة القائد في الكشفية وأهمية دوره: المرافق والشاهد والنموذج والرسالة بالشركة والمشاركة.
قال البطريرك اسطفانوس بطريرك الأقباط في القاهرة :إن الكشفية هي إيمان , خدمة , عطاء . إن لم تجد حياة روحية في الحركة الكشفية ستكون هناك حلقة مفقودة , أي إذا اهتممنا بالزي والشارات وفقدنا الروحانية أصبح النشاط جسداً بلا روح.
الحركة الكشفية إيمان :
1. إيمان الإنسان بأخيه الإنسان , بأن له قيمه واحترام حتى ولو كان فقيراً أو غنياً , صغيراً أو كبيراً.
2. إيمان بالوطن : الله خلقنا هنا في هذا المكان لنعمل به ونحبه ونفتديه ولا نتخلى عنه.
3. إيمان بالكنيسة :المسيح أحب الكنيسة وافتداها , فيجب أن نحبها ونحب قوانينها ونشارك في رسالتها .
4. إيمان بالله : منبع حياتنا اليومية ... فللصلاة مكان هام في المجموعة الكشفية لكي يقوي إيمان جميع الأفراد.
د. التربية من خلال العمل: لعبة الخدمة: إن الذي يميز الكشفية هو العمل بالمنهاج الكشفي. إن الحركة الكشفية هي "الابتداء الفعّال". ويقول بادن باول: "نستطيع أن نتكل عليك في الخدمة، لمعرفتنا أنك مستعد في كل لحظة لتضحي بوقتك وتواجه المصاعب وتبذل حياتك من أجل الآخرين إذا دعت الحاجة".
فالحركة الكشفية هي خدمة : الكشاف دائما مستعد في أي مكان وزمان ... خدمة عن اقتناع... خدمة عن تواضع... فالخدمة رسالة .
الحركة الكشفية عطاء : الخدمة بدون حساب , بدون انتظار شكر أو أخذ مقابل . فالخدمة لا تكون كاملة دون عطاء , دون حساب... والعطاء التام إلى سفك الدم ... مثال ذلك السيد المسيح الذي سفك دمه عنا... فالإنسان عندما يعطي ذاته يكون في قمة العطاء الالهي ... فمع شعار السينودس الأبرشي في أبرشيتنا يكون مثال الكشاف الحقيقي: مؤمنون بالمسيح , مشاركون في الكنيسة , شاهدون في المجتمع . تمنح الكشفية الوسائل المختلفة لوضع الإيمان في اطار حياة الشاب ,وحياتهم في إيمانهم . فالإيمان هبة من الله , خطوة حرة ومحبة لا يجبر الله عليها أحداً, فقد خلق الله الإنسان حراً ويدعونا إلى جواب حر وواع وشخصي على نعمته.
إن الخدمة حسب بادن باول هي سبب وجود الكشفية: لقد وجد الكشاف لكي يخدم. إن الخدمة هي جزء لا يتجزأ من المنهاج الكشفي. "اجعل العالم أفضل مما كان" هذه وصية بادن باول النهائية. هذه التربية على الخدمة هي (العمل الجيد) (ع.ج).
ع.ج والخدمة في الكشفية تعتبر من أهم الأعمال اليوم. ويجوز اعتبارها "سر التجسد" الكشفي, على مثال السيد المسيح. لقد أكد بادن باول أن الخدمة في الكشفية تجعلنا نمرح ونلعب في "فريق الله" و "يُسعدنا ويجعلنا نُسعد الآخرين". هذه دعوة الكشفية اليومية إلى الخدمة.
ويطلب منا المسيح في الإنجيل أن نخدم (متى 6/ 24، 19/ 21، مرقس 10/ 45، لوقا 22، يوحنا 13/ 12-15، متى 20/ 21-26، لوقا 10/ 30- 31) وأن تكون خدمتنا مجانية تحركها إرادتنا الفردية لا المصلحة الشخصية.
من هنا لا بدّ أن تكون الخدمة:
1. مجانية: أي أن الله هو المبادر الأول, وهي تظهر كرم الله وتتكون العطية الإلهية, والجواب على هذه العطية هو الخدمة. جواب المحبة بالمحبة وليس بالعدد والحساب.
2. إظهار المحبة: الله الخالق, المهندس, والكشاف الخادم يضع آلية فنية لتنفيذ هذه الخدمة بإظهار إيمانه ومحبته.
3.العمل المفيد: بصورة واقعية وبسيطة ولكن حسب تعاليم وأسلوب الله مثل الخميرة (متى 31:13) والكشفية هي وسيلة تربوية تعتمد على أسس بسيطة وسهلة.
ه- عمل الله في الكشفية:
1.العبور من تأمل الطبيعة إلى المشاركة في رسالة الخالق:
لقد خلق الله الكون على صورته ومثاله (تكوين 1: 28-29) بالمحبة (1يو) أي بالمجانية والمحبة والنعمة. لا بدّ من رؤية الطبيعة بالمختبر, يقول بادن باول, كحقل لا بدّ من إتمامه... يدعو بادن باول الشباب إلى المشاركة كعاملين فاعلين في الخلق, كما تمّ في الخلق. "الحقل... هو رسالتنا في الشباب لإظهار عمل الله وتقدمتنا له".
2. لحظة التجسد:
لم يقف الإنجيل من إعلان بذل الذات بأنه نبع الحياة لبلوغ الكمال. إنها الوسيلة المثلى لاكتشاف الله. لأنه من خلال خدمة الآخرين يكتشف الكشاف بأنه يخدم الله. وهكذا يلتصق الكشاف بالله والآخر. يصبح الكشاف بالخدمة صورة المسيح الخادم الذي يغسل أقدام تلاميذه ويعطي حياته في سبيل الإنسانية.
3. الالعاب الكشفية :
تحرك اللعبة في الكشفية جميع أحاسيس ومواهب اللاعب. وهكذا, فإن خدمة الآخرين في الكشفية تبني تاريخ المجموعة وتساهم في بناء الفرد عينه. إن العمل هو الذي يصنعنا. ما نقدمه خارجياً يفيدنا ويؤثر علينا داخلياً. كما يذكرنا المجمع الفاتيكاني الثاني "الكنيسة في عالم اليوم: عندما يعمل الإنسان فإنه لا يحول الأشياء فقط وإنما يسير بذاته نحو الكمال" (35).
4. الوعد الكشفي:
إن الوعد الكشفي هو أساس التربية الكشفية, كما أنه أحد مفاتيح الكتاب المقدس. "وفي الشهر الثالث لخروج بني اسرائيل من أرض مصر جاؤوا في أحد الأيام إلى صحراء سيناء" (الخروج 19:1) وتمّ العهد أو وعد الله على الجبل مع شعبه. وأيضاً فإن مسيرة الشبل في الكشفية أول ثلاثة أشهر أو الكشاف والجوالة, فإن عليهم القيام بالوعد الكشفي... كما تمّ بعد مسيرة الشعب على الطريق أو في الخيمة. لقد أصبح الشعب جاهزاً للإقتراب من الحياة التي منحها الله لهم لاتباعه على الطريق في الصحراء. لنرَ الرابطة بين الوعد الكشفي والوعد في الكتاب المقدس (العهد):
أ. الوعد هو شعاع أمام طريق الكشاف:
وعد الله للشعب في سيناء (خروج 19-24).
راجع (يشوع 24: 1-6، 11: 14-24)، (نحميا 8: 1-3، 9، 3-7-9و 13: 10-1-29)
من هنا لا بدّ أن نربط هذه الوعود مع المسيرة الكشفية فتصبح مغامرة حياة.
ب. الوعد هو إعادة قراءة لتاريخ المجموعة وانطلاق نحو المستقبل: كما أن التوراة يعبّر عن مسيرة الشعب اليهودي من إبراهيم إلى بلوغ أرض الميعاد, كذلك فإن الوعد الكشفي هو مسيرة الكشاف خلال حياته. وهكذا تستطيع تجديد الوعد الكشفي من خلال النصوص الكتابية (الخروج 4:19), (يشوع 24), (نحميا ).
ج. الوعد الكشفي هو احتفال: يمكن التعبير عن الكشفية من خلال الحركات والمكان والنصوص للتعبير عن المعاني الكشفية:
المكان: الذي يعّبر عن تاريخ الحدث.
النص:القانون, تاريخ المجموعة على مثال تاريخ الشعب المختار.
مشاركة المجموعة: طليعة, فرقة, حفلة سمر, لقاء من خلال الأغاني والرموز.
الرموز والحركات: فهي علامات خارجية للتعبير عن معانِ داخلية تسمو بمعنى الحدث الكشفي.
د. الوعد الكشفي هو انطلاقة إلى الأعالي "بنعمة الله" الوعد الكشفي هو بمثابة تجديد العهد مع الله ومع الآخرين. إنه انفتاح إيماني بالالتزام وهذا ما نردده بصلاة القائد.بالكشفية الحقّة نكون رسلاً للمسيح نحبه ونرتقي في محبته أكثر فأكثر... فالكشفية مسيرة فتح العيون على العالم وإكتشاف الذات ، مسيرة لإستنشاق الهواء والمطر والورد والدخول في شركة مع الحي ، مسيرة للتأمل في سرّ الله وسرّ الكون, وإكتشاف الآخرين ، مسيرة للخروج من الذات وإدراك حضور الله ، مسيرة لإكتشاف الله في الآخرين "مجد الله الإنسان الحي" (أباء الكنيسة)