المحبة تترفق - 1كو4:13
بقلم قداسة: البابا شنودة الثالث
تحدثنا في العدد الماضي عن المحبة التي تتأني ونتناول اليوم الصفة الثانية
للمحبة في1كو13.وهي:
من صفات المحبة:الرفق واللين والرأفة والعطف والحنو.
وأول نوع من هذه المحبة,هو المحبة الطبيعية:
ومنها محبة الأب,ومحبة الأم,ومحبة الإخوة.كل منها محبة طبيعيةوتربطها جميعا رابطة الدم.وكل منها تترفق.ولذلك حينما حدث إن إخوة يوسف أرادوا أن يقتلوه تك37:20,19,كانت هذه القسوة منهم ضد الطبيعة.وحينما أراد أخوه رأوبين أن ينقذه من أيديهم,كان هذا الأمر منه محبة طبيعية تترفق تك37:22,21تك42:22.وحينما شقوا ثيابهم ووقعوا علي الأرض أمامه,متوسلين لأجل بنيامين,خوفا علي أبيهم يعقوب أن يحزن ويموت بسبب فقد بنيامين,كانت هذه محبة طبيعية تترفق.
وهكذا طلب يهوذا أن يؤخذ هو عبدا بدلا من أخيه قائلا:لأني كيف أصعد إلي أبي والغلام ليس معي,لئلا أبصر الشر الذي يصيب أبيتك44:34وهكذا كان وضع داود من جهة أبشالوم..
بينما أبشالوم سلك بأسلوب ضد الطبيعة,إذ حارب أباه,واستولي عن ملكه,وصنع به شرورا كثيرة,نجد أن داود قال لجنده وهم خارجون للحرب ترفقوا بالفتي أبشالوم2صم18:5,كانت تلك منه محبة طبيعية تترفق.
كذلك لما سمع داود بمقتل أبشالوم في الحرب,وانزعج وبكي وقاليا ابني أبشالوم يا ابني,يا ابني أبشالوم,يا ليتني مت عوضا عنك,يا أبشالوم ابني,يا ابني2صم18:23,كانت هذه منه محبة طبيعية تترفق..
وقد شبه الرب محبته للبشر بهذه المحبة الطبيعية
ودعا نفسه أبا لنا,ودعانا أبناء وعلمنا أن نصلي قائلينأبانا الذي في السمواتلو11:2.وداود في المزمور شبه محبة الله التي تترفق,بمحبة الأب نحو بنيه فقال كما يترأف الأب علي البنين,يترأف الرب علي خائفيهمز103:13
ومن جهة محبة الأم ,فقال الرب لأورشليم هل تنسي المرأة رضيعها,فلا ترحم أبن بطنها؟!حتي هؤلاء ينسين وأنا لا أنساك.هوذا علي كفي نقشتكأش16,15,49فقال إن محبته أعظم من محبة الأمومة في ترفقها.
ومن أمثلة المحبة في ترفقها,محبة الراعي لغنمه..
وفي ذلك يقول السيد الربأنا أرعي غنمي وأربضها...وأطلب الضال,وأسترد المطرود,وأجبر الكسير,وأعصب الجريححز34:16,15هكذا أفتقد غنمي,وأخلصها من جميع الأماكن التي تشتتت إليها..خر34:12وقال أيضا أنا هو الراعي الصالح.والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخرافيو10:11ولا يخطفها أحد من يدييو10:28.
وفي ذلك قال داود الراعي الصغير لشاول الملك كان عبدك يرعي لأبيه غنما,فجاء أسد مع دب وأخذ شاة من القطيع فخرجت وراءه وقتلته,وأنقذتها من فيه ولما قام علي,أمسكته من ذقنه وضربته فقتلته.قتل عبدك الأسد والدب جميعا1صم17:34-36.
ومن أمثلة محبة الراعي في تحننها,قول الكتاب عن السيد المسيحولما رأي الجموع تحنن عليهم,إذ كانوا منزعجين ومنطرحين كغنم لا راعي لهامت9:36مر6:34.
كذلك حنوه علي الخروف الضال,إذ خرج يبحث عنه حتي وجده ,وحمله علي منكبيه فرحالو15:5.4إنها المحبة التي تتعب ,وتفرح بالتعب,رفقا بالضالين.
ومن أمثلة المحبة التي تتراءف,المحبة الموجهة إلي التعابي,والحزاني,وصغيري النفوس.
ومن أمثلتها محبة السامري الصالح الذي رأي في الطريق إنسانا وقع بين أيدي اللصوص فعروه وجرحوه ومضوا وتركوه بين حي وميتفلما رآه تحننوتقدم فضمد جراحه,وأركبه علي دابته,وأتي به إلي فندق,واعتني بهلو10:30-34المهم أن كل عمل الخير هذا ,سبقته عبارة تحننإنها المحبة التي تشفق وتترفق بالتعابي.
ولعل أبرز مثل لهذا الحب,هو قول السيد:تعالوا إلي يا جميع المتعبين والثقيلي الأحمال,وأنا أريحكممت11:28.
ومن جهة الحزاني ,نراه في محبته وحنوه,يمسح كل دمعة من عيونهمرو7:17رؤ21:4.
ومن تحننه,أنه لما رأي أرملة نايين تبكي لموت وحيدة,قيل فلما رآها الرب تحنن عليها,وقال لهالاتبكي ,ثم تقدم إلي النعش وأقام ابنها الميتودفعه إلي أمه لو7:12-15...وكذلك تحنن علي أسرة لعازر التي كانت تبكي بسبب موته ولم يقل الإنجيل فقط أنه أقام لعازر من الموت,بل قيل أكثر من هذا تعبيرا عن حبه:بكي يسوعيو11:35.
من أجل هذه المحبة المترفقة,قيل عنه إنه عزاء من ليس له عزاء ومعين من ليس له معين ولهذا يقول الوحي لأورشليملاتبكي بكاء يتراءف عليك,عند صوت صراخك.حينما يسمع يستجيب لكأش30:19ويقول عنه الكتاب إنهأبو الرأفة ورب كل عزاء2كو1:3
ومن محبته وترفقه,اهتمامه بصغيري النفوس:
نقول عنه في صلواتنا إنهعزاء صغيري النفوس,ميناء الذين في العاصفلقد عزي بطرس الرسول الذي بكي بكاء مرا بعد أن أنكره ثلاث مرات مت26:75لذلك قابله بعد القيامة ,وقال لهارع غنمي.ارع خرافييو21:17,15وذلك لئلا يظن بعد نكرانه,أنه قد فقد رسوليته,أو أنه أنطبق عليه قول الربمن ينكرني قدام الناس,أنكره أنا أيضا قدام أبي الذي في السمواتمت10:33-فعزاه.
وكان أيضا مترفقا بتوما في شكوكه وسمح له أن يلمس جراحه ويؤمن يو20:26-28وترفق أيضا بالمجدلية,وأزال شكوكها وثبتها في الإيمان يو20...لهذا كله يقول الرسولشجعوا صغار النفوس.أسندوا الضعفاء,تأنوا علي الجميع1تس5:14.
ولعل من أبرز الأمثلة للمحبة المترفقة:الرفق بالخطاة:
وفيها يقول الرسولاذكروا المقيدين ,كأنكم مقيدون معهم,والمذلين كأنكم أنتم أيضا في الجسدعب13:3ما أعظم محبة الرب في ترفقه علي المرأة السامرية,وعدم إخجالهايو4وكذلك ترفقه علي المرأة الخاطئة التي ضبطت في ذات الفعل,وكيف أنقذها من الذين أدانوها وطلبوا الحكم برجمها ثم قال لها في رفق ولا أنا أدينك اذهبي ولا تخطئي أيضايو8:11وبنفس الرفق عامل المرأة الخاطئة التي سكبت الطيب علي قدميه في بيت سمعان الفريسيلو7:36-50وأظهر للفريسي أنها أفضل منه..
كذلك ترفقة بالابن الضال حينما رجع ولم يبكته علي ذهابه إلي كورة بعيدة لو15ونفس الرفق مع زكا العشارلو19وباقي العشارين والخطاة.
وبنفس الرفق عامل أورشليم الخاطئةحز16:
قال لها بسطت ذيلي عليك وسترت عورتك...ودخلت معك في عهد -يقول السيد الرب-فصرت لي فحممتك بالماءأي المعمودية... ومسحتك بالزيتفي سر الميرونوكسوتك بزامن جهة البروحليتك بالحلي...ووضعت تاج جمال علي رأسك ...فصلحت لمملكة.وخرج لك اسم في الأمم لجمالك,لأنه كان كاملا ببهائي الذي جعلته عليكحز16:8-14.
ومن المحبة المترفقة بالخطاة,إنذارهم قبل العقاب...
إنذار قدمه الرب قبل الطوفانتك6وإنذار قدمه لأهل سادوم علي يدلوطتك19وإنذارات يقدمها في سفر الرؤيا قبل المجئ الثاني رؤ8 أمر به في سفر حزقيال النبي فقال له اسمع الكلمة من فمي,وإنذرهم من قبليحز3:17وتحذرهم من قبليحز33:7...وما أكثر إنذارات الرب وتحذيراته.لأنه في محبته لايريد أن يضرب الضربة علي حين غفلة...
هوذا بولس الرسول يقول لشيوخ أفسس اسهروا متذكرين أنني ثلاث سنين ليلا ونهارا لم أفتر عن أن أنذر بدموع كل واحدأع20:31
ومن المحبة المترفقة ,فتح باب التوبة للخطاة:
حتي للص علي الصليب في آخر ساعات حياته ,إذ قال لهاليوم تكون معي في الفردوسلو23:43.وأيضا أعطي الله الأمم التوبة للحياةأع11:18.وهكذا فتح باب الرجاء أمام كل أحد,لأنهلايسر بموت الخاطيء ,بل أن يرجع ويحياحز18:23.
وأعطانا خدمة المصالحة2كو5:18لكي في محبة وترفق بالخطاة ,ندعوهم أن يصطلحوا مع الله.
ومن فيض المحبة المترفقة:الترفق أيضا بالفقراء,والجياع والمرضي.
وهنا يقول الكتاب وأما الصديق فيتراءف ويعطيمز37:21ويقول أيضاطوبي للرجل الذي يتراءف ويقرضمز112:5ويهمنا هنا كلمة يتراءففلا يكفي أن يعطي الإنسان غيره,وإنما بمشاعر الحبيتراءفومن الرأفة أن الرب منع أخذ الربا من أولئك المحتاجين واعتبر أن من يعطي المحتاجين,كأنه يعطي الرب نفسه,فقال:بما أنكم فعلتموه بأحد أخوتي هؤلاء الأصاغر,فبي قد فعلتممت25:40.
إذن ينبغي أن يكون العطاء حبا,,وفيه ترفق بمشاعر المحتاجين.وهنا الوم الجمعيات التي تؤسس الملاجيء وتجرح شعور اللاجئين بما تنشره عنهم من صور وإعلانات,لكي تجمع بذلك مالا:
اهتمام الرب بالجياع والعطاشي والمحتاجين,واضح جدا في وصيته للتلاميذأعطوهم أنتم ليأكلوامت14:16
نلاحظ أيضا أن معجزات الشفاء التي قام بها الرب,لم تكن مجرد شفاء,إنما امتزجت أيضا بالحنان والرأفة.
ففي منح البصر للأعميين,يقول الكتابفتحنن يسوع ولمس أعينهما.فللوقت أبصرت أعينهما فتبعاهمت20:34وفي شفاء الأبرص وتطهيره ,قيلفتحنن يسوع ومد يده ولمسه,وقال له أريد فأطهرمر1:41.ويقول الكتاب أيضا فلما خرج يسوع أبصر جمعا كثيرا,فتحنن عليهم وشفي مرضاهممت14:14إذن الحنان هو الدافع,والشفاء هو النتيجة
ما أكثر تحننه أيضا علي العواقر:
وما أجمل تلك التسبحة التي سجلها سفر أشعياء:ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد.. أشيدي بالترنم...لحيظة تركتك,وبمراحم عظيمة سأجمعكأش54:7,1....
وهنا نذكر تحننه علي حنة,ومنحها صموئيل الذي صار نبيا مسح الملوك1صم16,10وتحننه علي إليصابات في شيخوختها ,فمنحها يوحنا الذي صار أعظم من ولدته النساءمت11:11,وتحننه علي ليئة المكروهة,فجاء من نسلها المسيح.
ومن أبرز أمثلة الترفق,أمر الرب ببناءمدن الملجأالتي يلجأ إليها القاتل الذي قتل نفسا سهواعد35:11فيحتمي فيها لئلا يقتله ولي الدم قبل أن يفصل القضاء في أمره وهكذا يقول المزمورالرب يحكم للمظلومين.
إن الله ضد قساوة القلب..فالقاتل الذي يقتل عن غضب وحقد وقسوة,لاتنطبق عليه قاعدة مدن الملجأ...لقد قال يعقوب أبو الآباء في نصائحه لأولاده قبل موتهشمعون ولاوي أخوان آلات ظلم سيوفهما.في مجلسهما لاتدخل نفسي.وبمجمعهما لا تتحد كرامتي.لأنهما في غضبهما قتلا إنسانا,وفي رضاهما عرقبا ثوراتك49:6,5.
من أجمل صور الحب والرفق,الترفق بالأعداء.أو بالذين سلكوا سلوك الأعداء حتي لو كانوا إخوة مثلما فعل يوسف بإخوته إذ بكي لما عرفهم بنفسهتك 45: 1و2وغفر لهم وأكرمهم وأسكنهم في أرض جاسان التي كانت صالحة لمراعيهم
كذلك بكاء داود علي أبشالوم,عن حب,علي الرغم من كل تعدياته.
وكذلك الرفق بالأحباء الذين سلكوا مسلكا ضعيفا:مثل نوم التلاميذ في بستان جثسماني,بينما قال لهم السيد أما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة؟!ومع ذلك أوجد لهم عذرا وقال لهمأما الروح فنشيطوأما الجسد فضعيفمت26:41ولم يوبخهم لما هربوا وقت القبض عليه ولما خافوا واختبأوا في العلية.
نكتفي بهذا الآن,لأن الصفحة ما عادت تحتمل.ونتابع تأملاتنا في المحبة في الأسابيع المقبلة ,إن شاءت محبة الرب وعشنا.