http://www.news.gov.kw/files/images/333333399untitled.jpg29 مارس 2009
توتر الأعصاب
بقلم قداسة البابا شنوده الثالث
جريدة الأهرام
ما هى الأسباب التي تؤدي إلى توتر الأعصاب؟ وكيف يتصرف الإنسان إذا وجد أن أعصابه متوترة؟ وما علاج توتر الأعصاب بصفة عامة؟
إنَّ أسباب توتر الأعصاب: بعضها جسدية، والبعض نفسية أو روحية.
?? فمن الأسباب الجسدية التعب والإرهاق:
إن الأعصاب تتعب ضمن الجسد المتعب. وتكون في حالة لا تحتمل فيها شيئاً.
وأي ضغط عليها أو أيَّة إثارة، تسبب لها توتراً، يظهر في انفعالات الإنسان وتصرفاته:
إنَّ العمل المتواصل يعرض الأعصاب ـ كما يعرض الجسد كله ـ إلى الإرهاق. لذلك يحتاج الإنسان إلى الراحة والإسترخاء خلال فترات العمل. كما يحدث مع تلاميذ المدارس: يعطونهم فسحة بين الحصص، يسمونها في الإنجليزية Break، لأنها تكسر حدة العمل المتواصل، وتريح الذهن، كما تريح الجسد، وبالتالي تريح الأعصاب.
??ونلاحظ أن اللَّه ـ تبارك اسمه ـ قد منحنا يوم راحة في الأسبوع. لأنه وهو الخالق لطبيعتنا، يعرف أن طبيعتنا تحتاج إلى هذه الراحة، كما يعرف أن العمل المتواصل بدون راحة، يُسبِّب للإنسان مشاكل كثيرة.
لذلك احترس من أن تدخل في لقاء أو حوار ساخن، وأنت مُرهَق جسدياً، لأن أعصابك أيضاً تكون مرهقة، ولا تحتمل سخونة الحوار ... بينما إذا تمَّ ذلك اللقاء ـ وأنت مستريح جسدياً وعصبياً ـ فإنه يمر بطريقة سهلة، ويأتي بنتيجة أفضل.
إذن لا تعتبر فترات الراحة والإسترخاء لوناً من الترفه، بل هى من لوازم النجاح. وكما لا تدخل في نقاش حاد وأنت مرهق، كذلك لا تدخل في مثل هذا النقاش مع شخص تعرف أنه مرهق، لأن حالته الصحية لا تساعده على التفكير العميق، ولا على مجابهة رأي معارض.
?? أيضاً قد يكون من أسباب التوتر، مرض الأعصاب:
فالأعصاب المريضة لا تحتمل كثيراً، بل تتوتر بسرعة. وهى تحتاج إلى علاج عند أطباء متخصِّصين. وبعض أمراض الأعصاب لا علاقة لها بالنفسية والأخلاق. مثال ذلك: شخص مريض بالعمود الفقري، وإحدى الفقرات تضغط على عصب مُعيَّن فتتعبه أو تلهبه. ويكون هذا المريض ـ في ألمه ـ غير مُحتمل لحوار أو نِقاش.
بل المرضى عموماً، الذين يشتد عليهم المرض والألم، قد يكونون في حالة من التعب
لا تحتمل أي لون من الجدل.
?? وقد يكون سبب التوتر، هو أن الشخص عصبي بطبعه، يثور بسرعة لأدنى سبب. ويحتد ويرتفع صوته، وتتغيَّر لهجته، وتتجهَّم ملامحه. ومثل هذا الشخص يحتاج إلى علاج نفسي، وإلى تداريب روحية على الهدوء وضبط النفس وحُسن معاملة الآخرين.
والمعروف أن كلمة نرفزة مأخوذة من كلمة Nerves أي أعصاب. فابعد عن الإحتكاك بمثل هؤلاء، لئلا تسمع منهم ما لا يرضيك.
?? وقد يكون سبب توتر الأعصاب، هو طبع العنف أو التَّزمُّت:
فالإنسان الذي يتخذ العنف منهجاً في حياته، تكون طبيعة تصرفاته مصحوبة بالتوتر. ولا يقبل نِقاشاً ولا مخالفة له في الرأي. ويحاول أن يصل إلى هدفه بسرعة ومن أقصر الطُّرُق، وبشدة. فلو قوبل عنفه بعنف، يزداد الأمر توتراً من الجانبين.
??كذلك الإنسان المُتزمِّت لا يكون واسع الصدر، ولا واسعاً في تفكيره. وتزمّته يجعله يضيِّق على نفسه، وعلى غيره أيضاً، ويكون التعامل معه مشحوناً بالتوتر.
وكما نجد الأشخاص المُتزمِّتين ملامحهم عابسة، بجدية متحفزة وعيون ملتهبة، وأعصاب مستعدة للهجوم، مع تعليقات متشدِّدة قاسية: " هذا خطأ، وهذا حرام، وهذا لا يليق ".
والمُتزمِّت قد يقيم نفسه رقيباً على جميع الناس، ومصلحاً للمجتمع كله، محاولاً أن يُصلح الكبار كما يصلح الصغار، والذين يعرفهم والذين لا يعرفهم. إنه يثور على كل شيء، في كل مكان، في كل مناسبة وبلا مناسبة ... كل ذلك بأعصاب متوترة.
??لذلك، نصيحتي إليك ـ لكي تهدأ أعصابك وتبعد عن التوتر ـ أنك لا تقم نفسك رقيباً على غيرك. ولا تتدخل فيما لا يعنيك، ولا تحاسب أحداً إلاَّ ما هو في حدود مسئوليتك الخاصة.
أمَّا ما هو خارج ذلك، فلا تحشر نفسك فيه. وقُل لنفسك: " مَن أقامني قاضياً أو محاسباً ".
بهذا تستريح أعصابك وتهدأ.
?? وقد يكون سبب التوتر حالة نفسية:
مثل الاضطراب أو القلق، أو الخوف أو الخجل أو التردد. ففي هذه الحالات تتوتَّر الأعصاب، وبخاصة لو لم تجد حلاً، ولم تجد وسيلة للتعبير عمَّا تريد ... ويحتاج الإنسان في هذه الحالة، أن يهدئ نفسه من الداخل.
??كذلك قد تتعب الأعصاب، بسبب الأفكار السوداء:
إذ يُفكِّرون بطريقة تشد أعصابهم وتتعبهم. مثال ذلك الذي لا يتوقَّع إلاَّ شراً، ولا يتخيَّل إلاَّ أسوأ النتائج. ومثله الإنسان الشكَّاك، والمُعقَّد، والذي يتمادى بسرعة في تفكيره،
بغير حدود، فتتعب أعصابه.
??ومن أسباب توتر الأعصاب، الضغوط الخارجية:
مع خطأ التعامل معها. كالمشاكل والضيقات المتتابعة، والتي تبدو صعبة الحل. وأيضاً أخطاء الآخرين ونتائجها، أو قسوتهم وسوء معاملتهم. على أن كل الضغوط الخارجية لا تؤثِّر إلاَّ من جهة نفسية الشخص. فالبعض قد يقابلها باحتمال أو بحكمة، والبعض يقابلها بلا مبالاة أو يجعلها خارج نفسه. والبعض يقابلها بإنفعال، وتتوتر أعصابه بسببها.
?? ومن أسباب التوتر سماع أو قراءة الأخبار المتعبة:
فهى إمَّا أن تكون متعبة في نوعيتها، أو في تكرارها. فالأخبار المزعجة والمقلقة والمثيرة، أو التي تحوي ظلماً أو تسبب شراً، والأخبار المغرضة، والأخبار الكاذبة .. كل هذه كلها تثير الأعصاب وتُسبِّب توتراً. لذلك فالبُعد عن هذه الأخبار يريح النفس، وأيضاً مقابلتها بلا مبالاة ...
?? من أسباب توتر الأعصاب أيضاً الإلحاح المستمر، والإطالة والتكرار:
ويكون ذلك الإلحاح ضغطاً على أعصابك، وبخاصة إذا قلت للمتكلِّم قد فهمت ما تقصد، ومع ذلك يزيد ويعيد نفس المفهوم. أو إذا وعدته بأنك ستنفذ طلبه، ومع ذلك يلح ويلح،
غير مهتم بوقتك أو بأعصابك. أو مَن يشرح لك شيئاً، وتقول له: " قد عرفت " ومع ذلك يطيل الشرح ويُكرِّر الكلام. كل ذلك يسبب توتر الأعصاب.
?? مِمَّا يريح أعصابك، أن تتعوَّد البشاشة، وأن يدخل في حياتك روح المرح. ففي ذلك تنبسط الأعصاب بدلاً من التوتر. وبعكس ذلك يحكم المتزمتون على المرح والضحك بأنه حرام!
وتوتر الأعصاب يعالج أيضاً بالحياة الروحية السليمة. فالإنسان الروحي بعيد عن التوتر، يؤمن أن اللَّه يتدخل في المشاكل لكي يحلَّها، ويؤمن أن كل باب مغلق، له مفتاح يرسله اللَّه، أو عدَّة مفاتيح. وهو إن قرأ عن أخبار متعبة، يضيفها إلى معلوماته وليس إلى أعصابه. ويؤمن أن اللَّه سيحوّلها إلى خير.