أربع شخصيات إدارية تتحكم في اقتراب «الشعب» من البابا تخضع لإشراف الأنبا يؤانس
أربع شخصيات إدارية تتحكم في اقتراب «الشعب» من البابا تخضع لإشراف الأنبا يؤانس
4/1/2010
تامر صلاح الدين
الأسرار داخل الكنيسة القبطية في مصر لها باب واحد، تسمح بالدخول، لكنها لا تسمح أبدا بالخروج، وكم من القصص التي تحدث داخل الكنيسة يوميا، تحت سمع وبصر الجميع، وتؤثر في مجريات الكنيسة القبطية، خاصة أن هذه القصص ترتبط بالأشخاص الأقوي داخل الكنيسة، والذين لا يملك أحد أن يشكك في ولائهم للبابا شنودة الثالث، كما لا يملك أحد التشكيك في دورهم المهم والقوي في صناعة الأحداث داخل الكنيسة، والتي تؤثر في دوائر كثيرة خارجها، خاصة مع تحولهم إلي مراكز قوي خفية داخل بنية الكنيسة، لا يمكن تجاوزها أو تجاهلها.
ويعتبر البعض أن تناول هؤلاء الأشخاص بالنقد أو بالكشف، يعني التجريح في أشخاصهم، والنيل من سيرتهم، خاصة أن الكثير من الأقباط أنفسهم لا يعرفون هذه الشخصيات معرفة شخصية، والقليل منهم سمعوا عنهم وعن أدوارهم ونفوذهم، والإمكانات التي بين أيديهم، وأقل من ذلك بكثير، يعرفون بوجودهم، لذك نسعي حاليا لتسليط الضوء علي عدد من هذه الشخصيات الكنسية، التي تحتفظ بالكثير من أسرار الكنيسة القبطية.
يرتبط 3 أشخاص من الذين يطلق عليهم حفظة أسرار الكنيسة، ارتباطا مباشرا بالكاتدرائية المرقسية في العباسية بالقاهرة، وبقدر اتساع الكاتدرائية المرقسية، بما تضمه داخلها من مراكز دينية، وبقدر تأثيرها علي الحياة الدينية للأقباط المصريين، يأتي تأثير القادة الإداريين داخلها وخارجها أيضا، ويستمد هؤلاء القادة سلطاتهم من مواقعهم وتاريخهم المهني، ومن النفوذ الذي حفروه لأنفسهم مع القيادات الروحية داخل الكاتدرائية، ومن علاقاتهم التي قاموا ببنائها مع المؤسسات المؤثرة في الدولة، بالإضافة إلي انهم التروس التي تدير الشئون الإدارية في حياة ملايين الأقباط، سواء الأعمال الروتينية أو الخطيرة، ومن بين هؤلاء الأشخاص، الدكتور صموئيل بن القس متياس فريد، والذي يعد أحد المقربين من الأنبا موسي أسقف الشباب، الذي يوصف بأنه أحد أكثر الشخصيات الكنسية حيادا.
ويرأس الدكتور صمويل فرق كشافة العباسية، التي بدأت فكرتها من أسقفية الشباب قبل عدة سنوات، وهي تهدف لتنظيم الاحتفالات والمناسبات العامة، لكن طور صمويل الفكرة بعدما اقترب من الأنبا يؤانس الأسقف العام وسكرتير البابا، وبدأ في تغيير فلسفة هذه الفرق، لتقوم علي جمع عناصر الكشافة من أغلب كنائس القاهرة، مما حولها من كشافة أسقفية الشباب، إلي كشافة الكاتدرائية، وبينما ظل أسقف الشباب مشرفا عليها، انتقلت الخيوط التي تحركها إلي يد الأنبا يؤانس، وظهر مؤخرا المستوي الاحترافي للتدريبات التي يحصل عليها أفراد الفريق الكشفي، الذين بدأت المهام الموكلة إليهم تتخطي المهام التقليدية للكشافة، من تنظيم لدخول الجماهير إلي لقاءات البطريرك، سواء في العظات أو المناسبات الدينية المختلفة، ليصبح الأساس الذي يعملون عليه، هو منع وصول أي شكاوي من الشعب أو الكهنة إلي البطريرك، وتفويت الفرصة علي كل من يريد مقابلة البابا، ومع الوقت اتسع نفوذ هذه الفرق الكشفية، ليصل إلي حد منع غير المرغوب في حضورهم من الأقباط، وطردهم خارج الكنيسة، دون تفرقة بين رجل أو سيدة كبيرة أوشاب وشابة.
ومع الوقت اتسعت مهام الفرق الكشفية وسلطاتها المكتسبة، لتصل إلي حد تفتيش كل من يرتابون في سلوكه، وذلك بحجة حماية البطريرك، كما أصبح بوسعهم أن يضربوا كردونا غير محسوس، حول الشخصيات المهمة في الكنيسة، والتي يريدونها أن تخرج عن نطاق دائرة التلامس مع البطريرك في المناسبات العامة، ليفوتوا عليها مرة بعد أخري فرص الحديث معه، أو الانفراد به.
ومع كل هذه السطوة، التي تتمتع بها الفرق الكشفية، أصبحت جميع مفاتيح الكاتدرائية عمليا في يد رئيس الكشافة الدكتور صمويل بن القس متياس، وهو ما جعل منه حاجزا بين البابا والشعب، خاصة في المناسبات العامة، ليصبح أحد مراكز القوي الخفية داخل الكنيسة، التي وصل النفوذ القوي لها، إلي حد مصاحبته للبابا في زياراته الرسمية، التي كانت تضم في الأصل كبار الأسقافة، وتحديدا الأنبا موسي أسقف الشباب، والأنبا مرقس أسقف شبرا، وطاقم السكرتارية.
وقد ظهر الدكتور صموئيل أكثر من مرة مؤخرا، خلف البابا، ومعه المستشار إدوارد غالب وملاك مينا، عضوا المجلس الملي العام، وذلك في آخر مقابلتين للبابا مع الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر، والدكتور محمد حمدي زقزوق وزير الأوقاف، وبالطبع جاءت مصاحبة الدكتور صمويل للبطريرك، للثقة التي منحها البابا له، والتي تمكنه من السير خلفه مباشرة، مستبقا بذلك الحراسات الرسمية المعينة من قبل وزارة الداخلية، والخاصة بتأمين الرمز القبطي والروحي الكبير، وربما هي نفسها الثقة التي تمكنه دائما من منع الكهنة أو الأساقفة من مقابلة البطريرك.
وتشير مصادر قبطية إلي أن هذه الثقة، مكنت رئيس الكشافة، من حضور أغلب اللقاءات التي يستقبل البطريرك فيها زواره، وأصبح أكثر حرصا في أحاديثه الخاصة أمام بعض الكهنة، وبالتحديد أمام أحد الأساقفة الكبار.
أما الشخص الآخر الذي نجح في الصعود ليصبح احد مراكز القوي وحفظة الأسرار داخل الكنيسة، فهو اللواء نبيل عزت، مدير الديوان البابوي، والذي عمل لفترة ليست قصيرة لدي أحد رجال الأعمال الأقباط من ذوي النفوذ المادي والإعلامي، وبالطبع داخل المجلس الملي العام، ويستمد اللواء نبيل عزت نفوذه من موقعه، الذي يكفل له الاطلاع علي كل الأوراق والمخاطبات الرسمية الداخلية والخارجية، قبل أن يراها البابا شنودة نفسه، فضلا عن مسئوليته المباشرة عن استخدام العمالة وتعيين الموظفين داخل البطريركية، كما يتولي جميع الأعمال المالية والإدارية الأخري، بالإضافة إلي الأعمال الوظيفية التي كان يتولاها القمص داود تادرس وكيل البطريركية قبل وفاته منذ حوالي خمس سنوات، وهو ما حصل عليه عزت بدعم من الأنبا يوأنس.
ويدين معظم الإداريين داخل الكنيسة بالولاء لعزت، لسبب بسيط، هو أنهم جاءوا برضاه وموافقته، بالتنسيق مع المجلس الملي العام، الذي يعد تعيين الموظفين في الكنيسة، أحد الحقوق الأصيلة لأعضائه، وعلي رأسهم الملياردير القبطي الدكتور ثروت باسيلي، لكن منذ تعيين البطريرك القمص سرجيوس سرجيوس وكيلا للبطريركية، أصبح له الحق في مراجعة أعمال أمين الديوان البطريركي، اللواء نبيل عزت.
ومن مراكز القوي التي ظهرت داخل كاتدرائية العباسية، اللواء نبيل رياض مدير أمن الكاتدرائية، وهو خريج كلية الشرطة، ويتطلب عمله التنسيق بين رئيس فريق الكشافة، الدكتور صموئيل بن القس متياس من جهة، واللواء نبيل عزت أمين عام الديوان البطريركي من جهة اخري، كما تتنوع المهام الرئيسية لرياض ما بين السيطرة علي أطقم الحراسات الخاصة، المعينة من قبل البطريركية وليس وزارة الداخلية، وبين إخضاع كل الأشياء الثمينة داخل المقر البابوي، وفي نطاقه، لسلطاته الأمنية المطلقة، ويتطلب عمل رياض أن يكون علي علم "بدبة النملة" داخل الكاتدرائية، خاصة في الأيام العادية التي تجري بها الاستقبالات الخاصة، وليست الرسمية فحسب.
وبالطبع يخضع لنفوذ اللواء نبيل رياض كل موظفي الأمن، الذين من حقهم تفتيش الزوار، ووفقا للمصادر الكنسية، يسيطر هؤلاء الموظفون علي سويتش الاتصالات الخاص بالبطريركية، ويحق لهم الدخول علي المكالمات التليفونية، لمعرفة الجهات الصادر والوارد منها المكالمات الأرضية، والتي لاتزال تستخدم داخل الكاتدرائية علي نطاق واسع حتي الآن، وهو ما يجعل رياض أقرب إلي مدير جهاز مخابراتي خاص لتأمين البابا والكاتدرائية.
وبعيدا عن حفظة الأسرار ومراكز القوي داخل الكاتدرائية بالقاهرة، تعتبر المسئولة السكندرية عن مهام الخدمة في الكنيسة المرقسية بالإسكندرية، وتحديدا داخل المقر البابوي، هي رابع الشخصيات التي ينظر لها المقربون من البطريرك برهبة ممزوجة بالاحترام والحذر، فسلطة هذه السيدة التي يناديها الجميع بـ"تاسوني"، أو الأخت باللغة القبطية، وصلت إلي حد منع عدد من الأقباط من الوصول إلي البطريرك، لتلقي البركة في أحد أيام الجمع، رغم أن بينهم من حضر خصيصا من دول عربية للحصول علي هذه البركة، بالإضافة لأسر كاملة جاءت من محافظات الصعيد إلي الإسكندرية لتحصل علي البركة البابوية، ولكن وقتها قررت السيدة ببساطة أنهم لا يستحقون هذا الشرف، وأمرت بوضعهم في إحدي الغرف البعيدة، حتي أنهي البطريرك استقبالاته الرسمية والشعبية.
وبنفس الطريقة التي يفرض بها الدكتور صموئيل سيطرته داخل كاتدرائية العباسية، تفرض السيدة "تاسوني" هيمنتها علي كاتدرائية الإسكندرية، من خلال السيطرة علي فرق الكشافة، وأحيانا تأمر هذه الفرق بإغلاق الأبواب أمام الزوار، دون تفرقة بين كاهن وقسيس أو زائر من الشعب، بإدعاء أنها أوامر من البابا، وهو ما يستجيب له الكشافة دون نقاش أو جدال.
أما الفريق الأساسي الذي يخضع لنفوذ "تانوسي"، ويطيعها طاعة عمياء، فهو فريق خادمات الرب، أو مجموعة الفتيات اللائي يتولين الخدمة في المقر البابوي، وتجهيز وتقديم الطعام، خاصة أثناء وجود البابا في الإسكندرية، وقد وصلت سطوتها علي فريق خادمات الرب، إلي حد امتلاكها حق المنح أو المنع لزواج إحداهن، والمثير أنها هي نفسها تخضع خضوعا تاما لأحد الأنباوات، الذي كان سببا في عودتها للخدمة الكنسية في عام 1993، عقب وفاة زوجها الذي كان مقربا من البابا، بسبب سماحته وتفانيه في الخدمة حتي اللحظات الأخيرة من حياته، وتدريجيا بدأت "تانوسي" تفرض سيطرتها علي المقر البابوي، إلي درجة مبيتها هي وعدد من الخادمات الأخريات، في نفس المقر الذي يبيت فيه البطريرك وعدد من القساوسة والكهنة المعاونين له.
ومما يثير الدهشة في جميع مراكز القوي داخل الكنيسة، بما في ذلك أحد سائقي البطريرك الاحتياطيين، أنهم جميعا تولوا مناصبهم، أو أعيد إدخالهم إلي الكنيسة، بمباركة ودعم كاملين من الأنبا يوأنس، السكرتير الشخصي للبابا، الذي تولي منصبه في التسعينيات، ليصبح يوما بعد آخر الرجل الأقوي داخل الكنيسة.
الجمعة يناير 08, 2010 3:41 am